العدول عن الأصل في القاعدة النحوية دراسة تطبيقية في شعر المديح النبوي

نوع المستند : بحوث علمية محکمة

المؤلف

كلية الآداب جامعة الملك فيصل

المستخلص

تناولت الدراسة ظاهرة العدول عن الأصل في القاعدة النحوية في شعر المديح النبوي متخذة من شعراء الأحساء أنموذجا تطبيقيا من خلال ديوان "إمام الأنبياء –صلى الله عليه وسلم– في الشعر الأحسائي خلال خمسة قرون"، معتمدة على المنهج الوصفيّ التَّحليليّ.
وجاءت في مقدمة وتمهيد وستة مطالب؛ هي: عدم اقتران جواب الشرط بالفاء، وتنوين الممنوع مِن الصرف، وقصر الممدود، وتسهيل الهمزة، والوقف على المُنوَّنِ المنصوبِ بالسکون، والوقف على الاسم المعرف بـ "أل" بإطلاق الحرکة فيه.
ومن أهم نتائج الدراسة: امتلاک شعراء الديوان لملکات لغوية انعکست على قصائدهم ترکيبا وصياغة ومضمونا، مرونة النظام اللغويّ في ديوان "إمام الأنبياء" بما يتيح التعبير عما في داخل کل شاعر، وبما يحقق غايات الشعر الموسيقية.
وأوصت الدراسة بضرورة تتابع الدراسات اللغوية حول هذا الديوان؛ للکشف عن أبرز ظواهره اللُّغَوِيّة والترکيبية.

الكلمات الرئيسية

الموضوعات الرئيسية


مُقدِّمةٌ

الحَمْدُ لِلهِ رَبِّ العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين...، وبَعْدُ:

فإن البحث في شِعْرِ المديح النبوي لغويًّا وترکيبيًّا ليس بالأمر الهيِّنِ؛ لقوة تراکيبه وثراء قاموسه اللُّغَوِيّ، حيث يتبارى الشعراء في موضوع واحد تتعدد الرؤى الإبداعية في رصده متفقة مع سمو المضمون کونه ينبع من عاطفة صادقة؛ لهذا نؤکِّدُ حاجة هذا الشِّعْر إلى دراساتٍ متعددةٍ، تتبعُ الظواهر اللُّغَوِيّة والترکيبية لتصل إلى نتائجَ تبرزُ مَا يمتازُ به ذلک النوع من الإبداع الشعري، لاسيما إذا اتُّخذَ المِنهج الإحصائي مِن بين مِناهج دراسته، إذ سرعان ما نکتشفُ أنَّ الإکثار مِن ظاهرةٍ لغوية ما ليس عبثا، بل له ما يبرِّره.

وهذه الدراسة تشير إلى ظاهرة العدول عن الأصل في القاعدة النحوية في شعر المديح النبوي متخذة من شعراء الأحساء أنموذجا تطبيقيا من خلال ديوان "إمام الأنبياء –صلى الله عليه وسلم– في الشعر الأحسائي خلال خمسة قرون"، إذ إنَّ ترکيبَ الجملةِ الشِّعْريةِ يُعدُّ أکثر استغلالاً للإمکانات النَّحْوِيّة التي تُتاح للشاعرِ ليأتيَ البيتُ الشِّعْري مستقيمَ الوزن والقافية، فعبقرية الإبداعِ الشِّعْريِّ تکمِن في کونه إبداعاً داخل النِّظَام اللُّغَوِيّ ذاته.

ومِن أبرز صور العدول عن الأصل في القاعدة النحوية ما يتاح للشاعر في سبيل استقامةِ أوزانه ليأتي إبداعُه مِنسجمًا مع النَّحو والوزن والقافية في آن، ومَا يُرصد مِن مخالفةٍ فيما يعرف بالعدول عن القاعدة النحوية– فيما يرى البعض-إنَّما هو استجابةٌ للموسيقا، ونراه سبيلاً لتأکيد مرونةَ النِّظَام اللُّغَوِيّ في التعامل مع الإبداع الشِّعْريّ في إطارِ المعنى النَّصِّيِّ.

مشکلة الدراسة:

تظهر مشکلة الدراسة في أن الشعر الأحسائي خلال القرون الخمسة الأخيرة لم يحظ بدراسة نحوية تحليلية لإبراز ما فيه من ظواهر مؤثرة في دلالة السياق الشعري.

سؤال الدراسة الرئيس:

- ما ظواهر العدول عن الأصل في القاعدة النحوية في ديوان "إمام الأنبياء –صلى الله عليه وسلم– في الشعر الأحسائي خلال خمسة قرون"؟

هدف الدراسة:

- دراسة ظواهر العدول عن الأصل في القاعدة النحوية في ديوان "إمام الأنبياء –صلى الله عليه وسلم– في الشعر الأحسائي خلال خمسة قرون" دراسة نحوية تطبيقية.

أهمية الدراسة:

- استقراء الشعر الأحسائي خلال القرون الخمسة الأخيرة لاستنباط ما به من ظواهر العدول عن الأصل في القاعدة النحوية.

- دراسة هذه الظواهر دراسة تحليلية من خلال نماذج تطبيقية.

الحدود الموضوعية للدراسة:

تتناول الدراسة ديوان "إمام الأنبياء –صلى الله عليه وسلم– في الشعر الأحسائي خلال خمسة قرون".

إجراءات الدراسة:

منهج الدراسة:

اتبعت الدراسة المنهج الوصفيّ التَّحليليّ الاستقرائي لملاءمته لأهداف الدراسة، وذلک مِن خلالِ اختيارِ بعض النَّماذج المعبِّرة عن وجود ما خالف فيه الشعراء في قصائدهم من عدول عن القاعدة النحوية، مُبيِّنًا أثر ذلک في المعنى النَّصِّيِّ، في إطارِ عنوان البحثِ " العدول عن الأصل في القاعدة النحوية، دراسة تطبيقية في شعر المديح النبوي".

خطوات الدراسة:

جاءت الدراسة في مقدمة وتمهيد وستة مطالب تمثل ما في هذا الديوان من عدول عن الأصل، وخاتمة رصدت أهم النتائج وقدمت بعض المقترحات، ثم مصادر البحث ومراجعه.

تضمنت المقدمة مشکلة الدراسة، وسؤال الدراسة الرئيس، وهدف الدراسة، وأهميتها، والحدود الموضوعية للدراسة، وإجراءات الدراسة وما تضمنته من منهج الدراسة، وخطواتها. وأُفرد التمهيدُ لتعريف مختصر بديوان إمام الأنبياء –صلى الله عليه وسلم–في الشعر الأحسائي خلال خمسة قرون، ومدى ما يمتاز به هذا النوع من الإبداع الشِّعْري. أما مطالب البحث فجاءت على النحو التالي:

المطلب الأول: عدم اقتران جواب الشرط بالفاء

المطلب الثاني: تنوين الممنوع مِن الصرف

المطلب الثالث: قصر الممدود

المطلب الرابع: تسهيل الهمزة

المطلب الخامس: الوقف على المُنوَّنِ المنصوبِ بالسکون

المطلب السادس: الوقف على الاسم المعرف بـ "أل" بإطلاق الحرکة فيه.

 

الدراسات السابقة:

هناک جهود علمية تناولت العلاقة بين اللغة والموقف الخطابي، کان أکثرها صلة بموضوع هذا البحث الحالي ما يأتي:

-       بحث بعنوان "ديوان "تعليق على ما حدث" لأمل دنقل: دراسة نحوية دلالية"، وهو يتناول أهم الظواهر اللغوية التي استعان بها أمل دنقل في بناء ديوانه متبعا المنهج الوصفي الاستقرائي التحليلي، وکان من أهم نتائج البحث أن النحو يتعامل مع معطيات النص نفسه دون أن يفرض عليه أمورا خارجة عنه؛ لذا فإنه يتيح حرية في التطبيق تتوازى مع حرية الشعر نفسه.

-       بحث بعنوان "الجملة الاسمية في بائية علقمة: دراسة نحوية دلالية"، وهو يعنى بترکيب الجملة في بائية علقمة، متناولا إياه بالدراسة النحوية الدلالية، ولقد التفت الباحث إلى جمال نظم القصيدة، لذا فقد هدفت الدراسة إلى سبر أغور جمال الترکيب والدلالة للجملة الاسمية دون أختها الفعلية، في منهج وصفي تحليلي، کما لم تغفل الدراسة ما عضد جمال الترکيب من جوانب صرفية أو صوتية.

-       بحث بعنوان "عوارض الترکيب في الجملة العربية: دراسة نحوية دلالية معلقة طرفة بن العبد أنموذجاً"، وقد اتبع المنهج الوصفي، واستعرض دلالات عوارض الترکيب في معلقة "طرفة بن العبد"، مثل "الزيادة، والحذف، والفصل، والتقديم، والتأخير"، وجاءت نتائج الدراسة مؤکدة أن الزيادة لا تقل قيمة من الحذف، وقد تفوق الحذف دلالة وفناً.

التعليق على الدراسات السابقة:

يظهر من خلال عرض الدراسات السابقة أن بعضها تناول ديوان "تعليق على ما حدث" لأمل دنقل: دراسة نحوية دلالية، وبعضها دار حول عوارض الترکيب في الجملة العربية: دراسة نحوية دلالية معلقة طرفة بن العبد أنموذجاً، وبعضها حول الجملة الاسمية في بائية علقمة: دراسة نحوية دلالية، وليس فيهم دراسة واحدة تتناول شعر المديح النبوي من خلال ديوان "إمام الأنبياء –صلى الله عليه وسلم– في الشعر الأحسائي خلال خمسة قرون"، وهو موضوع بحثنا الحالي.

ويؤکد البحث أن لجوء هؤلاء الشعراء للعدول عن الأصل ليس ضعفًا، بل لغاياتٍ مقصودةٍ من حيث المعنى من جانب، وللتأثير الموسيقي من جانب ثان.

هذا، وآملُ أنْ تسهم هذه الدراسة في لَفْتِ الانتباه لشعراء الأحساء بعامة وشعراء المديح النبوي بخاصة، حيث نرى أنهم يمتلکون لُغَة راقيةً رصينةً، فضلا عما يحتويه شعرهم مِن مضمون سامٍ وقيم أوجدتها بيئة دينية روحــــانية عاش فيها هؤلاء الشعراء متنقلين بين رحابها.

والله أسأله التوفيق، فإن کان فذاک ما أبغي، وإن کانت الأخرى فحسبي جزاء الاجتهاد، وعلى الله قصد السبيل عليه توکلت وإليه أنيب.

التمهيد

 تعريف مختصر بديوان:

 إمام الأنبياء –صلى الله عليه وسلم- في الشعر الأحسائي

إذا کان التعرف الحقيقي للمبدع يکمِن في إبراز قيمة ما خلفه مِن إبداعية شعرية، فإننا أمام شعراء اجتمعت فيهم صفات عديدة تجعلنا ندرک أنهم على اختلاف أزمان تأليف قصائدهم أفرزت قرائحهم إبداعات تنطق بحب رسول الله – صلى الله عليه وسلم- مما يحتاج إلى الوقوف على کثير من زواياه تحليلا واستنباطا سواء من حيث المضمون أو الترکيب.

وإذا کان بعض النحاة قد قبلوا ما يقوم به بعض الشعراء في إبداعاتهم على غير رضا، فوصموا ذلک بالضرورات تارة، وبالمخالفة تارة أخرى، فإن البحث يؤکد أن النظام اللغوي ذاته هو ما أتاح للشعراء اختيار ما يناسب موسيقاهم مع ما بداخلهم من معان وأفکار، والدليل أن الشاعر قد يأتي في البيت الواحد بما يتفق مع القاعدة کالممنوع من الصرف مثلا يأتي وفق ما تقول به القاعدة النحوية في النثر، وفي ذات البيت يأتي بهذا الممنوع منونا أو يجعله مجرورا بالکسرة لروي أبياته، أي أن الشاعر مدرک تماما ما يتاح له فيسير وفق ما يتاح له ليس عن عجز وضعف بل عن تمکن واستغلال، وسيحرص البحث على رصد تلک الحالات التي حدث فيها العدول عن القاعدة النحوية.

وجاء الديوان الذي قام بجمع قصائده عبدالله بن صلاح الخليفة على قسمين:

الأول: تناول الشعراء المتقدمين من واحة الأحساء من القرن العاشر حتى القرن الثالث عشر من الهجرة، واستعرض قصائد ثلاثة عشر شاعرا.

أما القسم الثاني فتناول الشعراء المتأخرين من القرن الرابع عشر الهجري حتى الآن وجاء عددهم خمسة عشر شاعرا.

وتمحورت مضامين تلک القصائد في مدح الرسول الکريم -صلوات ربي وسلامه عليه-وتعظيم مکانته، وتفخيم منزلته، وبيان بعض من شمائله.

وقدّم جامع الديوان ترجمة مختصرة لکل شاعر في مقدمة قصيدته، حيث قام بتشکيل الکلمات وإيضاح بعض المفردات، کذلک أشار إلى الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في بعض الأبيات.

 ولا شک أن تنوع قصائد الديوان في تراکيبها وموسيقاها، فضلا عن صورها ومحتواها، يؤکد حاجة هذا الديوان إلى دراسات متعددة ترصد أبرز سمات الشعر الأحسائي من حيث المضمون أو الترکيب، على أن هذه الدراسة ليس من أهدافها الوقوف على المضمون الذي تدور حوله قصائد الديوان.

إن ما يمتاز به إبداع هؤلاء الشعراء مِن دقة لغوية وبراعة ترکيبية تجعلنا نقف في تلک الدراسة على ما أتاحه لهم النظام اللغوي؛ کي تستقيم أوزانهم وتستوي قوافيهم، في إطارِ ما أرادوه مِن المعاني التي هدفت لإبراز مضمون سامٍ. فَمِن المعلومِ أنَّ الشاعر يستغل ما يتاح له ليأتي بيته الشعري مستقيما دون مخالفة للنسق الموسيقي الحريص عليه في جميع أبيات قصيدته ف"بناء الجملة في الشِّعْر أکثر استغلالا للإمکانات النَّحْوِيّة التي يتيحها النِّظَام اللُّغَوِيّ وتتعاون معها الإمکانات الشِّعْرية "([1]).

ولقد أدرک النحاة مِنذ سيبويه ما يتاح للشاعر في سبيل أن يعبر من خلال الإبداع الشِّعْري عما يريد، ففي باب ما يحتمل الشِّعْر: "وليس شيء يضطرون إليه إلا وهم يحاولون به وجها"([2]).

ويتفق البحث مع ما أشار إليه الدکتور إبراهيم أنيس من أن" وصف ما يتاح للشاعر بالضرورة کان وصمة وصموا بها الشِّعْر العربي عن حسن نية مِنهم"([3]).

حيث نرى أن الشاعر يدرک تماما ما يتاح له وما لا يتاح إلا أنه يستغل ما يتاح له من خلال النظام اللغوي ذاته، من هنا تأتي إبداعاته داخل النظام اللغوي، ولا نراه يخرج عنه.

 لقد اهتم الدارسون بالإبداع الشعري اهتماما بالغا في دراساتهم تحليلا للتراکيب الشعرية تحليلا واستنباطا، وهذا يفوق ما نجد من دراسات حول النثر، فالحديثُ عن تمَيُّز ِلُغَةِ الشِّعْر واختلافِ طريقةِ بناءِ النَّصِّ الشِّعْريِّ عن طريقةِ بناءِ غيرِه مِنْ النصوصِ قدْ أفاضَ فيه الباحثون، فلقد أدرک اللغويونَ أنَّ لِلشِّعْرِ قواعدَه الخاصَّة به، بالإضافة إلى القواعدِ العامَّة حتَّى يتسنى للشَّاعرِ أنْ يحلِّقَ في عالمه الشِّعْريِّ. ولا تقف القواعدُ حائلاً دون تدفُّقِ المعاني في بناءِ الجملة الشِّعْريةِ.

ولقد تباينتْ الآراءُ حول مَا ورد في الشِّعْرِ مِنْ مخالفاتٍ على امتداد رحلته، حيث نشبتْ الخصوماتُ بين النُّحاةِ والشعْراءِ، فالنُّحاةُ يعدون أنفسَهم حرَّاساً للُّغَة، وکلُّ ما يخالفُ قواعدَهم فهو لَحْنٌ وخطأ، على حين يرى الشُّعَراءُ أنَّهم أصحابُ اللُّغَة والطَّبع. فإذا لم يکن بُدّ مِن أسئلة النحاةِ عن علة هذا أو ذاک فليسألوا أنفسَهم، وعليهم التماس الأوجه وابتغاء الأسبابِ والعِلل، ولقد عدَّ البعض تلک المخالفاتِ ضروراتٍ، ومَنْ يرفض مصطلحَ الضرورةِ يري "أنَّ ما عالجَه النُّحاة على أنَّه ضرورةٌ هو مِن خصائص لُغَة الشِّعْر والقول بالضرورة ناتج عن خلط النحاة بين لُغَة الشِّعْر

ولُغَة النثر.

 وأنَّ بعضَ مَا قيل عنه إنَّه ضرورةٌ يمکن أنْ يکونَ آثاراً لهجية لمرحلةٍ سابقة ٍمِنْ مراحل تطورِ اللُّغَة، کما أنَّ بعضَها يعدُّ جذوراً تاريخيةً لاستعمالاتٍ لهجيةٍ معاصرةٍ، وأنَّ عدمَ تنبُّه النُّحاةِ لتطوُّرِ اللُّغَةِ هو الذي دفَعَهم للحُکْمِ عليه بأنَّه ضرورةٌ"([4]). ومهما يکن مِن أمر فإن "الشعر بما فيه مِن قيودِ الوزنِ والقافيةِ قد تمتنع فيه أشياء تجوز في النثر"([5]).

إنَّ صور العدول التي يلجأ إليها الشعراء ويتجاوز عنها النقاد تختلف بحسب مناهج النقاد، فالذي لا يتجاوز عنه النحاة قد يتجاوز عنه البلاغيون؛ لأنه يحقِّق في نظرهم قيمةً جمالية لا تتحقق بالالتزام بما يراه النَّحْوِيّون. ويراعي البلاغيون القيم الجمالية التي ترتبط بالأذن، کالنسق الموسيقي المتمثل في الأوزان والقوافي وغيرها؛ لأن الشاعر يحرص غاية ما يحرص على موسيقا شعره، فيضطر استجابة للوزن إلى تحريک ما يجب إسکانه، فالشاعر القديم لم يکن يسمح لنفسه ولا يسمح له غيره أنْ يکسر نظام الوزن في الشِّعْر، مع أنه قد يکسر ما عدا ذلک، ولعله في هذا أو ذاک خاضعٌ للعُرْف السائد مِن حوله. أما أنه کان يريد بما يکسره في البناء النَّحْوِيّ معنى يقصده، فإن هذا مُسلَّم به"([6]).

فالنِّظَام اللغوي يسمح ببعض الترخُّصِ الذي يعد وسيلة لأداء غرض مخصوص بهدف إحداث أثرٍ مَّا، فالشاعر يجد نفسه بين أمرين:

الأول: المحافظة على الإعراب مضحيا بموسيقا شعره.

الثاني: المحافظة على موسيقا شعره مضحيا بالإعراب.

 فيختار الجانب الموسيقي، وقد دفعه إلى ذلک أن ما ارتکبه مِن ضرورات عد مقبولاً مِن أبناء لغته يقول ابن جني:

" فاعلم أن ذلک على ما جشمه مِنه، وإن دل مِن وجه على جوره وتعسفه، فإنه مِن وجه آخر مؤذن بصياله وتخمطه، وليس بقاطع دليل على ضعف لغته، ولا قصوره عن اختيار الوجه الناطق بفصاحته"([7]).

إن العدول عن القاعدة النحوية في الإبداع الشعري ليس في کثير مِن الأحيان إلا أخطاء غير شعورية في اللُغَة، غاية ما هنالک –کما يرى الدکتور رمضان عبدالتواب ونوافقه عليه- أن الشاعر يکون منهمکا ومشغولاً بموسيقى شعره، وأنغام قوافيه، فيقع في هذه الأخطاء مِن غير شعور مِنه"([8]).

ولقد حاول النحاة التماس المبررات لما يجدونه في الشعْر مِنْ ضرورات غير متصورين وقوع الشِّعْراء في مثل تلک الأخطاء، على حين طالب نقاد الشِّعْر القدماء بضرورة تجنب ارتکاب مثل هذه الضرورات يقول ابن طباطبا العلوي: "فينبغي للشاعر في عصرنا ألا يظهر شعره إلا بعد ثقته بجودته وحسنه وسلامته مِن العيوب التي نُبِّه عليها وأُمِرَ بالتحرز مِنها ونُهِي عن استعمال نظائرها"([9]).

ويقول أبو هلال العسکري: "وينبغي أن يتجنب ارتکاب الضرورات، وإن جاء فيها رخصة مِن أهل العربية، فإنها قبيحةٌ تشين الکلام........، وإن استعملها القدماء لعدم علمهم بقباحتها"([10]). يقول ابن فارس: "إن ناسًا مِن قدماء الشِّعْر ومِن بعدهم أصابوا في أکثر ما نظموه مِن شعرهم"([11]).

بل وما تزال القضية تدور في إطار ما يراه بعض الباحثين مِن الخصومة بين النحاة والشِّعْراء، فيبحث أسبابها ويعرض لصورها([12]).

ويؤکد البحث أن استغلال هؤلاء الشعراء لما يسمح له به النظام اللغوي لم يأت عن ضعف، ودليلنا أن بالديوان الترکيب الذي فيه عدول، وفي سياق آخر ذات الصورة الترکيبية بلا عدول، وفي هذا ما يؤکد تمکن شعرائنا مِن لغتهم، ولا شک أن ورود مثل هذه الظواهر وغيرها في ذلک الديوان تحتاج إلى رصد وتتبع في دراسات متعددة لتحليل إبداعاتهم في کافة أنماطهم الترکيبية الشعرية حيث تمتاز قصائدهم برصانة لغتهم وعمق معانيهم وسمو مضمونها، فضلا

عن تنوع تراکيبهم، ومِن أبرز ظواهر العدول عن القاعدة النحوية في ذلک الديوان تتمثل في المطالب التالية:

المطلب الأول: عدم اقتران جواب الشرط بالفاء

يجبُ اقترانُ جوابِ الشرطِ بالفاء على نحو ما ذکر النحاة کأن يکون الجواب جملة اسمية أو جملة طلبية أو جملة فعلية فعلها جامد، أو يکون الجواب مسبوقا بالسين أو سوف أو لن أو قد، لکنها قد تحذف أحيانا، وورد لذلک شواهد في القرآن الکريم منها قوله تعالي: ﴿وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّکُمْ لَمُشْرِکُونَ﴾(الأنعام آية 121)، فجملة "إنَّکم لمُشرکون" جملةٌ اسميةٌ وقعتْ جوابَ الشَّرْط، فوجبَ اقترانها بالفاء، لکن جاء القرآنُ الکريمُ بحَذْفِها، وفي هذا قال السيرافيُّ: "ومِن ذلک حذف الفاء في جواب الشرط، کقولک: إنَّ تأتني أنا أکرمُک تريد فأنا أکرمُک، قال الشَّاعر:

مَنْ يَفْعَلِ الحَسَنَاتِ اللهُ يَشْکُرُهَا     والشَّرُّ بِالشَّرِّ عِنْدَ اللهِ مِثْلانِ

أراد: فالله يَشْکُرُها"([13]).

وفي بعض قصائد الديوان نجد من يأتي بجواب الشرط، وقد اقترن بالفاء حسبما تقتضي القواعد، نحو قوله الشاعر:

فإن تقبلوها فهو من بحر جودکم([14])

 فالشاعر يهدي رسول الله – صلى الله عليه وسلم –قصيدته في مدحه، فإن قبلت فهو من بحر جودکم، وجاء الشاعر بجواب الشرط جملة اسمية اقترنت بالفاء وجوبا، وتتعدد تلک الصورة الترکيبية في کثير من قصائد الديوان من نحو قول الشاعر: إن عد فخر الأنبياء فجوده عم الأنام([15]).

هذا، وقد استثمرَ کثير من الشعراء ما أتاحه لهم النِّظَام النَّحويُّ، فجاء بالجواب غير مقترن بالفاء، وهو ما عُرِفَ بأنَّه ضرورةٌ، ومِنْ ذلک قولُ الشاعر:

منفاي أنت على هداک سأهتدي     وإذا ضللت تلوت آي (الزلزلة)

من منهلين إذا ظمئت سأرتوي      هي نشوتي والکل يعرف منهله([16])

والملاحظُ أن الشاعر جاء بجواب للشَّرْطِ، ولم يقرنه بالفاء، على الرَّغمِ مِنْ وجوبِ اقترانها.

وذلک في قوله: (وإذا ضللت تلوت..)، وقوله: (إذا ظمئت سأرتوي)، وقد أزال الفاء الرابطة بين الشرط والجواب إشارة إلى إزالة جميع العوائق بينهما، وسرعة المبادرة من الضلال إلى التلاوة، ومن الظمأ إلى الارتواء، وهکذا يتبيّنُ لنا من خلالِ ذلک أنّ الشاعر حذف الفاء لِقَصْدِ دلاليٍّ، يرتبطُ بالسِّياق – بجانب استقامة الوزن وصِحَّةِ القافية – ومِنْ ثَمَّ ينبغي التَّخلِّي عن وَصْفِه بأنَّه ضرورةٌ، والتَّعامُل معه على أنَّه من خصائص لُغة الشِّعرِ، والنظر إلى الوزن والقافية على أنهما جزءٌ مِن المعنى النَّصِّيِّ.

 

المطلب الثاني: تنوين الممنوع مِن الصرف:

إذا کانت القاعدة النحوية تجعل الاسم الممنوع من الصرف غير منون لعلل ذکرها النحاة، کما تجعله يجر بالفتحة، إلا أن الشعراء قد عدلوا عما تقول به القاعدة النحوية في أشعارهم، حتى إنها تعد مِن أبرزِ الضروراتِ التي کادت لفرْطِ إشاعتِها في الشِّعْر العربي باتت مألوفةً عند شعراءِ العربية، فکأنَّها أصبحت ضرورةً غير مستوحشةٍ، بل علامة بارزة في جميع دواوين الشّعْراء، قديمِها وحديثِها، فلا تجد شاعرًا يخلو شعره مِن تنوين الممنوع مِن الصَّرفِ. وعلى الرغم مِن أثر ذلک في الجانب الموسيقي إلَّا أننا نرى أنَّ له أثرًا يرتبط بسياقه الوارد فيه، ولقد شاعت تلک الظاهرةُ في ذلک الديوان، سواءٌ مِن حيث تنوينُه الأعلامَ الممنوعة َمِن الصَّرفِ أو الأماکن، حيث يمثِّلُ المکانُ في شِعْرِ هؤلاء أهميةً کبرى لکثرة تنقُّلِهم في تلک الأماکن المقدسة، هذا فضلا عما ذُکر في القصائد من أعلام ارتبطت بسياقات القصائد، ومِن ذلک قولُ الشاعر:

يا بلدة طابت وطاب حماها        وبطيبةٍ خير الورى سمّاها([17])

وقال شاعر آخر منونا (آدمًا، کوثرٌ):

فقد آتوا آدما نادوا بأجمعهم           اشفع إلى ربنا الرحمن وابتهل

الحوض لي خصّني رب السماء به    فماؤه کوثر يبري من العلل([18])

فعلى نحو ما نجد تنوين (طيبةٍ)، و(آدمًا)، و(کوثرٌ)، وقد آثر البحث الاستشهاد بنماذج في الحالات الإعرابية بالتنوين ( الجر، والنصب، والرفع)

وينون أحمد، وهو اسم ممنوع من الصرف، نجد ذلک في قول الشاعر:

فلم يزل الإسلام من نور أحمدٍ   يزيد اتضاحا فوق شمس الکواکب ([19])

کما يأتي به الشاعر وقد جاء به في بيت واحد مجرورا بالفتحة کما تقول القاعدة النحوية، ثم جاء به منونا استجابة للوزن الشعري فقال الشاعر:

سيروا إلى أحمدَ المختار فهو لها     نادوه: يا أحمدٌ يا أشرف الرسل([20])

ولمَّا کان الممنوع مِن الصرف يجر بالفتحة فإن الشاعر قد سار مع ما تقوله به القاعدة على نحو ما تم الاستشهاد به، کما أنه جاء به منونا استجابة لاستقامة الوزن، إضافة إلى ذلک فإننا نلاحظ جمال التنوين في هذه الکلمات المحبوبة(طيبة – الکوثر – أحمد)، ولعل الشاعر أراد مزيدا من الترنم بهذه الکلمات فنونها طربا وتغنيا بها، وفي ذلک ما يؤکد استغلال الشاعر لما أتاحه له النظام اللغوي، فالإبداع الشعري تکمن إجادته من کونه إبداعا داخل النظام اللغوي، وليس خروجا عنه مع ما فيه من المقاصد الدلالية.

أمَّا صيغة مِنتهى الجموع، فقد تعدَّد تنوينها في شِعْرِ قصائد هذا الديوان، ومِن ذلک قولُ الشاعر:

زادت على کل البلاد برتبة        ومناقبٍ سبحان من سواها

فالشوق مني نحوها لا ينثني       بمدامعٍ تنهل من فرقاها([21])

وهنا أشيرُ إلى أنَّ التنوين وإنْ کان له دوره في الإيقاع الموسيقي إلا أنَّ تنکيره هذه الکلمات المِنکرة أصلا وتنوينها أضاف بُعدًا ذا مضمونٍ مقصودٍ، يکمُنُ في شوق الشاعر إلى مدينة رسول الله –صلى الله عليه وسلم – فهي التي زادت على کل البلاد بمناقب منحها الله سبحانه وتعالى؛ لهذا کان شوقه إليها لا ينثني بمدامع لفراقها فکان للتنکير مع التنوين أثره الواضح التعبير عن هذا الشوق کمعنى مقصود من خلال النص الشعري.

فعلى نحو ما سبق نجدُ أنَّ ثَمَّةَ دلالةً مَّا وراء هذا التنوين –بجانب علاقته باستقامة الوزنِ الذي يُعدُّ جزءًا من المعنى النَّصِّيِّ– وعلى المُتلقي أن يتفاعلَ مع المُبدع باحثا عن تلک الدلالة من خلال  محاولة معايشته لما يمر به الشاعر من حالة نفسية تمثلت في فراقه لطيبة، ويعنينا التأکيد بنجاح شعراء هذا الديوان في استخدام الممنوع من الصرف في جميع ما يرتبط به من التزام بالقاعدة النحوية من جر بالفتحة، وعدم تنوين من جانب، واستغلال ما أتاحه لهم النظام اللغوي من حيث تنوين الممنوع من الصرف أو جره بالکسرة مسايرة للوزن الموسيقي من جانب ثان.

المطلب الثالث: قصر الممدود

أجاز النُّحاةُ قَصْرَ الممدود بالإجماع([22]) باستثناء الفرَّاء؛ من منطلق أنَّه "لا يجوز أن يقصرَ من الممدود إلا مَا يجوزُ أنْ يجيء في بابه مقصورًا، فلا يجوز عنده قصْرُ "حمراء"، و"صفراء" وأشباهما؛ لأنَّ مذکرهما (أفعل)، والصفة إذا کانت للمذکر على وزن (أفْعَل) لم يکن المؤنث إلا على وزن (فَعْلَاء)" ([23]) وکذلک لا يقصرُ (فقهاء) ونحوه؛ لأنه جمع (فقيه)، وما کان من (فعلاء) جمع (فعيل) لم يکن إلا ممدوداً نحو: (کريم) و( کرماء)([24]). وما کان حديث القدماء عن ذلک إلَّا مِنْ مُنطلق أنَّ المقصورَ أصلٌ والممدودَ فرعٌ عليه، فإذا قصَرَ الشاعرُ الممدودَ، فإنه بذلک يردُّه إلى أصْله([25]).

ولقد جاء شعراء هذا الديوان في کثيرٍ مِن قصائدهم بالاسم الممدود مقصورًا جريًا على سَنَنِ الشِّعْر العربيِّ القديم، وفضلاً عمَّا يحدِثُه هذا القصر ُمِنْ أثرٍ موسيقيِّ، يسهم في الإيقاع الشِّعْريِّ، فإنه لا يخلو مِن أثرٍ يرتبطُ بالمضمونِ في سياقه، ومِن ذلک قولُ الشاعر:

يا من تلوذ الأنبيا بجناحه   يوم الوغى فبلطفه يرعاها([26])

وکذلک نرى الشاعر يقولُ قاصرًا الاسم الممدود:

ما لاح نجم في السماء وما أضا     نجم وما أشجى هزار مغرّدا([27])

ويبدو واضحًا أثرَ المضمونِ المُراد في حَذْفِ همزةِ الاسمِ الممدودِ في قولِ الشاعر وذکرها في بيت واحد فيأتي بالسماء ممدودا و(أضا) حاذفا همزته ليکون مقصورا، وکأنه أراد إطلاق الإضاءة بدون توقف ولاحد؛ فلم يشأ أن يقطعها بالهمزة، وهذا فضلا عن الجانب الموسيقي فإنه لا يخفى ما يحمله الذکر او الحذف لهمزة الاسم الممدود من دلالة ترتبط بمعنى مقصود، من هنا جاء ظهور النجم وما أضاء، وما أشجى طائر العندليب(هزار) مغردا، فکان حذف همزة الاسم الممدود (أضاء) مسهما في استقامة الوزن الشعري للبيت.

وفي ذکر الظاهرة وما يقابلها مَا يؤکِّد تمکُّنَ الشعراء مِن لُغتهم، وأنَّهم يستغِلُّون مَا أتاحَهُ لهم النِّظَام اللغويُّ، ودليلُنا مَا نراه مِن جَمْعِ الشَّاعرِ –أحيانا- للاسم ما بين ممدود ومقصور فيقول الشاعر:

کريم سرى حتى رقى ذروة العلا   وجاز السما من للبرية شافع

وقد قام خير الخلق يلهج باسمه   وللحرب والهيجاء مجد مسارع

وقد قال للعباس: يا عم نادهم     فعادوا على الأعدا بعزم وقارعوا

وعاد أولو الطغيان بالبؤس والشقا     وقد ذل للبأسا تبيع وتابع([28])

ففي الأبيات السابقة نلاحظُ أنَّ الشاعر جمع بين مَدِّ کلمة (الهيجاء) وقَصْرِ (السما، الأعدا، للبأسا)، وفي ذلک ما يبرهن على ما يذهب البحث إليه من أن الشاعر يلتزم بما يفرضه عليه النظام اللغوي، ويستغل ما يتيحه له في آن في سبيل استقامة موسيقاه، فضلا عما يحمله ذلک من دلالات ترتبط بسياق الأبيات

المطلب الرابع: تسهيل الهمزة

إذا کانت الهمزة في الکلمة العربية تمثل أساسا في بنيتها الأساسية، وقد أفرد علماء اللغة کيفية رسمها في وسط الکلمة وفي آخرها وفق قوانين محددة ترتبط بحرکة الهمزة وما قبلها، فإن الشعراء في هذا الديوان عمدوا إلى تسهيل الهمزة في قصائدهم، بما يرتبط ومضمون النصوص المرادة، فضلاً عن الإيقاع الموسيقيِّ، ومِن ذلک قول الشاعر:

فليس امتنان الهاشمي محمد   يکافيه أو يحصيه عدٌّ لحاسب([29])

وهو ما يتضح من خلاله أنَّ أَثَرُ حذفِ الهمزة في (يکافيه) التي أصلها( يکافئه) يکمُنُ في رغبَةِ تَوَافُقِ الإيقاعِ الموسيقيِّ، ففضل هذا النبي الهاشمي –صلى الله عليه وسلم- لا يکافئه أو يحصيه حد لحاسب، وفي ذلک ما يدل على ما في داخل الشاعر من عاطفة صادقة تجاه النبي الکريم.

ويأتي تسهيل الهمزة لاتفاق قافية البيت مع ما قبله وما بعده في قول الشاعر:

صلى عليک الله ما شهدت له       کل الخلائق أنه أنشاها

والآل والأصحاب سادات الورى   من فضلهم في الناس ليس يباهى([30])

ويکون لذکر الکلمة التي سُهِّلتْ همزتُها الأثرُ الإيقاعيُّ الواضحُ في استواء القافية، فضلاً عمَّا يُحدِثه مِن تأکيدٍ لمعنًى أراده الشاعر وهو سهولة الإنشاء عليه سبحانه، ولذلک سهل الهمزة.

ويبدو واضحًا إدراکَهُ ذِکْرَ الهمزةِ أو تسهيلَها مِن خلالِ مَا يريدُه مِن معنًى ومَا يتناسبُ مع إيقاعِه الموسيقيِّ في أبياته. وتأکيدًا لِمَا نذهب إليه نرى الشاعر يقول:

وعافنا واعف عنا واستجب کرما    دعاءنا وقنا الأسوا مع الضرر([31])

وهو ما يتَّضح من خلاله أنَّ تسهيل الهمزةِ لدى شعراء هذا الديوان لم يکن من قبيل التزيين اللفظيِّ، بل کان مقصودًا لغايةٍ دلاليةٍ، يرافقها ما يتصلُ بالمعنى النَّصِّيِّ أيضًا، حيثُ الحفاظ على الوزن والقافية، في إطار ما يريد کل شاعر مِنْ معنًى.

 

المطلب الخامس: الوقف على المُنوَّنِ المنصوبِ بالسکون

حَذْفُ التنوينِ وإسکانُ الحرفِ الأخيرِ مِنَ الاسمِ المُنوَّنِ المنصوبِ لهجةٌ عربيةٌ تُنْسَبُ إلى قبيلة ربيعة، قال شاعرهم:

أَلَا حَبَّذَا غُنْمٌ وَحُسْنُ حَدِيْثِها        لَقَدْ تَرَکَتْ قَلْبِي بهَا هَائِمًا دَنِفْ

فالشَّاعرُ وقفَ على (دَنِف) بالسکون، وهذه لُغَةُ ربيعة، وليست لُغَة جمهور العرب، وإنَّما يقفُ جمهور العرب على المنصوبِ المُنوَّنِ بالألفِ([32]). ولمَّا کان ذلک کذلک، فإنِّي أشيرُ إلى قولِ الدکتور أحمد عَلم الدين الجندي: "والجمهورُ حملها على الضرورةِ – کعادتهم -؛ لأنَّها خالفت الفُصحى، وبعضهم حملها على لُغةِ ربيعة، وأميلُ إلى القولِ بالضرورةِ...والعربُ ليست تضطرُّ إلى شيءٍ إلَّا وتحاولُ به وجهًا من لُغاتهم، کما يمکنُ أنْ تُحمَلَ الضرائرُ على أصولٍ قديمةٍ، هجرها العرب حتى أُهملَت، وتجمَّدَت"([33]).

وذلک على الرغمِ من قولِ الدکتور محمد حماسة: "وحذف التنوين وإسکان الحرف الأخير من الاسم المنون المنصوب لهجةٌ عربيةٌ قديمةٌ، تُنسب إلى ربيعة، فهي لم تکن من خصائص اللغة المُشترکة، ولم يستشهد لها النحويون إلَّا من الشعر؛ ولذلک عدَّها بعضُ النحويين من ضرورة الشعر، إذْ لجوء الشاعرِ إلى ما ليس من لهجته أو لجوؤه إلى استعمالٍ لُغويٍّ خاصٍّ يُخالِفُ العُرف العام، کان يُعدُّ من الضرورةِ عند القدماء، وقد توسَّع في هذا الاستعمالِ الشعراء المعاصرون"([34]).

 والجدير بالذِّکر "أنَّ الوقوفَ على المُنون المنصوب بالسکون لا يکون إلا في آخر البيت والشاعر حين يلجأ إلى ذلک يکون دافعه توافق القوافي واستواء الروي.

ونجد شعراء هذا الديوان يستخدمون تسکين القافية مستغلين ما أتاحه لهم النِّظَام النَّحويُّ، وإن کان ضرورة – ونراه عدولا عما تفرضه القواعد النحوية -ليحقِّقَ إيقاعًا موسيقيًّا مِنْ جانبٍ وارتباطا بمضمونٍ مقصودٍ مِن جانب ثان، يقول الشاعر في قصيدة مادحا الرسول الکريم –صلى الله عليه وسلم- وجاءت القافية ساکنة مهما تنوعت الحرکة الإعرابية حسب سياق البيت، فالشاعر جاء بها ساکنة فقال:

النور يسأل عن ترابک أسئلةْ    فأجبته: يا نور لن تتحملهْ

ذاک التراب وليت نفسي رملة     في قبره وبوجهه متأملةْ

کل اتجاهات الحياة متاهة    وبک الوصول وأنت سر البوصلةْ([35])

وفي قصيدة أخرى لشاعر آخر ربت على الخمسين بيتا سکن قافيتها رغم تنوع الموقع الإعرابي فقال:

وجاءت نحوه الأشجار طوعا      لدعوته وخرت مطمئنةْ

وصدقه – ولم يک ذا – خيار     لهم بالسبق رضوان وجنّةْ

لقد صدقوا وما منعوا جهادا      جياد الخيل مطلقة الأعنة([36])

وإذا کان لجوء الشاعر إلي التسکين يجعلُه يتجاوزُ ما تقول به القواعد في إعراب أواخرِ الکلماتِ السابقةِ، ففي البيت الأول سکن آخر شطره الأول، وموقعه (مفعول به)، وفي نهايته سکن قافيته وموقعه (حال)، وفي قافية البيت الثاني سکن المرفوع، علة حين سکن المجرور في قافية البيت الثالث، فوقع (الأعنة) مضاف إليه، ولقد أتاح هذا التسکين للشاعر إيقاعًا موسيقيًّا، انسجمت به القوافي التي تمثِّلُ تاج الإيقاع الشِّعْري، فأهميتها تنبع مِن جانبين جانب صوتيٌّ، وجانب دلاليٌّ، فالوقف على القافية في نهاية البيت الشِّعْري يجعل المتلقي يعلق ذهنه بها ومع تکرارها نهاية کل بيت يزداد رنينها في أذنه"([37]).

إن تقييد القوافي أي الوقف بالسکون على أواخر حرف الرَّوي يجعله ظاهراً بارزاً، فيکون أشد وضوحًا في سماع صوت هذا الحرف.

هذا، ولا يقتصرُ الأمرُ على ما تقدَّم من تمثيلٍ، بل في الديوان قصائد متعدِّدةٌ، التزم فيها الشعراء بالتسکين في قوافيهم، وفي کثرة ورود تلک القصائد ما يؤکد معاني متعددة ترتبط بسياقات يقصدها الشاعر من نحو قوله:

أيا ريح الصبا هيجي فهاجت        شجوني وهي قبلک مستکنة

وذکرني نسيمک من دعاني           بنصرته على أحزاب فتنةْ

رسول مهتد هادٍ بشير                نذير کامل علما وفطنةْ([38])

ففي هذه الأبيات نلاحظُ أنَّ الشاعر سکن آخر البيت الأول (مستکنة)، وهي مرفوعة حيث تقع خبرا، وآخر البيت الثاني (فتنة) وعلى حسب الموقع الإعرابي تکون مضافا إليه مجرورا، على حين سکن آخر کلمة في البيت الثالث (فطنة)، رغم أنها من حيث الموقع الإعرابي معطوفا منصوبا، وجاء تسکين الشاعر لجميع قافية أبيات القصيدة والهدف منه بالإضافة إلى استواء القافية خدمة المعنى وکأنه يشير لينتبه المتلقي إلى هذه الکلمات في سياقها، وفي مکانها من القافية، التي هي "مرکزُ ثِقَلٍ مُهمٍّ في البيت.... إنْ صحَّت استقام الوَزْن، وحَسُنَتْ مواقفُه ونهاياتُه"([39]).

وبناءً على ذلک نجد أنَّ التسکينَ لدى الشعراء في هذا الديوان قد مثل ظاهرة، حيث تعددت القصائد التي حرص شعراؤها على تسکين القوافي، وإذا کان هذا التسکين يحدث رنينا موسيقيا من جانب، فإنه يرتبط بالمعنى الذي يريد الشاعر أن يوصله إلى المتلقي من جانب ثان.

 وإذا کان کثير من شعراء هذا الديوان قد جاءت عندهم القافية ساکنة، على نحو ما تقدَّم، فإن عددا من شعرائه عمدوا في قصائدهم إلى الوقف على الاسم المعرف بـ "أل" مُطْلِقًا الحرکةَ فيه على النَّحو التالي:

المطلب السادس: الوقف على الاسم المعرف بـ "أل" بإطلاق الحرکة فيه

لمَّا کان الشاعرُ قد وقفَ على الاسم بالسکون، فإنَّه أطلقَ الحرکةَ، حين وقفَ على الاسم المُعرَّف بـ"أل"، وهذا يؤکِّد اختصاصَ لُغَة الشِّعْر عن غيرها، حيث أمدَّ النِّظَام اللغويُّ النَّسْج الشِّعْريَّ بعددٍ مِن الإمکاناتِ المختلفةِ في بِنْيةِ المفردات وفي بناء الجمل التي تتلاحمُ مع الوزنِ والقافيةِ في الشِّعْرِ.

وما دامتْ القافيةُ تاجَ البيت الشِّعْري، لأنَّها خاتمته التي يقف عندها الإنشاد، فإنَّ إطلاق الحرکةِ فيها يمثِّلُ دلالةً نفسيةً، ترتبط بالحالةِ التي يعبِّرُ عنها الشاعرُ، على نحو ما ربط به الدکتور إبراهيم أنيس بين صوت القافية وبين الحالة النفسية للشاعرِ معلِّلا لذلک بأنَّ نبضات القلب تزيد کثيرا مع الانفعالات النفسية... فالحالةُ النفسيةُ للشاعرِ في الفرحِ غيرها في الحُزنِ واليأس... ولا بُدَّ أنْ تتغير نغمةُ الإنشادِ تبعًا للحالةِ النفسيَّةِ([40]).

وهذا الإطلاق يعطي صوت حرف القافية بروزاً وتجسيمًا واستطالةً وامتداداً، مِمَّا يزيدُ من التأکيدِ على صوت هذا الحرف. وهو يؤکد أيضاً الحالة النفسيةَ للشاعرِ في اختياره لهذا الإطلاق حيث "يتحققُ في القافية المطلقة عددٌ منَ العناصرِ التي تمنحُ المبدعَ وسيلةً لإبرازِ ما بداخلِه حيث يضيفُ الإطلاقُ إلى القافيةِ دلالاتٍ نفسيَّةً، تکمن داخل الشاعر، ويصبح الإطلاق مظهرًا من مظاهرها"([41]).

ولمَّا کان الوقفُ على المنصوب المعرَّف بالأداة بإطلاق الحرکة فيه يخص الشعر، فقد جاء عند شعراء هذا الديوان لضبطِ الإيقاعِ الشعريِّ، على نحو ما نجد في قول الشاعر:

أتريد جارا حاميا لک سيدا        ومقام عز عاليا متفردا؟

فعليک أن ترد النجاة وتتقي    خوف العقاب تلاوة والمسجدا

دنيا وأخرى إذ لجا لجنابکم    أيخيب من أمَّ الجناب المفردا؟

وصلاة ربي دائما وسلامه    تغشى ربوع المصطفى والمرقدا([42])

فقد أطلق الشَّاعرُ القافية في الکلمات (المسجدا، المفردا، المرقدا) في إشارةٍ إلى المتلقِّي أنَّ ثَمَّةَ شيئًا مَّا، يخصُّ هذه الألفاظ، يرتبط بنفسيَّة الشَّاعر، وينسجم مع سياق الکلام لإبراز المعنى المقصود، فمن أراد النجاة وتجنب العقاب فعليه بتلاوة القرآن الکريم والتزام المسجد، فيکون الاطلاق للمسجد وکأنه وسيلة النجاة؛ لهذا لا يخيب من أمّ الجناب المفردا، فالصلاة والسلام من رب کريم على المصطفى والمرقدا، فمازال للإطلاق دور واضح في تجنب العقاب دنيا وأخرى.

إنَّ تعاملَ الشعراء مع القافية لم يتوقف في الإطلاق للألف في الاسم المنصوب المعرف، بل نراه يحرِّک الساکنَ في المضارع المجزوم بلم، على نحو ما نجد في قصيدة الشاعر التي مدح فيها سيد الخلق أجمعين ومنها:

والشمس تغشاهم لم يبق بينهم    وبينها غير ميل وهي لم تفل

قال النبي رسول الله سيدنا    هو الذي عن طريق الحق لم يحل([43])

ويقول شاعر آخر محرکا الساکن في قافية قصيدته التي بلغ عدد أبياتها خمسة وأربعين بيتا منها:

إن يحتبس عن مقلتي جمالها       فمثالها عن مهجتي لم يحبس

إن عد فخر الأنبياء فجوده            عم الأنام وأثره لم يطمس

نسخت شريعته الشرائع إذ غدت       محروسة آثارها لم تدرس([44])

فالأفعال (يحبس، يطمس، تدرس) کلها مجزومة وعلامة الجزم السکون، لکن الشاعر حرک السکون بالکسر استجابة لروي القصيدة.

وهکذا يتضح لنا أنَّ العدول عن القاعدة النحوية تکون وسيلة يستخدمها الشاعر حيث يمدُّ النظام اللغوي بعددٍ من الإمکانات المختلفة في بنية المفردات وفي بناء الجُمل التي تتلاحم مع الوزن والقافية في الشعر، على أنْ هناک جانبًا بارزًا في هذا الصدد، يدلُّ على ما وراء ذلک من الإمکانات النحويةِ التي يقدِّمها النظامُ اللغويُّ في تعاملِه مع النسج الشعريِّ، هذا الجانب هو التقديم والتأخير وکما يعمل التقديم والتأخير الذي يتيحه النظام اللغويُّ علي إقامةِ وزنِ البيت يعملُ کذلک على تهيئة استواءِ بناءِ الجملة في اتجاه القافية، فتأتي مستقرةً غيرَ جافيةٍ، وفي الوقت نفسه يحققُ ترابطَ العناصر في الجملة([45]).

 وفي إطار تقديم بعض العناصرِ على بعضِها للقافية أُشيرُ إلى قولِ الشاعر

 تيّمت قلبي فتاة حسنها    کل حسن عنده يعلوه قبح([46])

فالمُلاحظُ أنَّ الشَّاعرَ قد قدَّم المفعول به في کلمة (قلبي) على الفاعلِ (فتاة) ؛ وفضلا عما يبرزه التقديم من أثر دلالي، لما يمثله القلب بالنسبة للشاعر فإن فيه أثرا موسيقيا، وقد تعدد تقديم بعض عناصر الجمل على غيرها في کثير من قصائد الديوان، وفي ذلک تأکيد على استغلال الشعراء لما يسمح به النظام اللغوي لتحقيق العنصرين معا، الجانب الموسيقي من ناحية وکشف ما بداخل الشاعر من أفکار ومضامين من ناحية ثانية، وفي ذات الصورة الترکيبية يقول الشاعر: وکم أبرأ الأوصاب مسُّ يمينه(2) بتقديم المفعول(الأوصاب) على الفاعل (مس)، وقد يتجه الشعراء لتقديم الفضلة على عنصر رئيس في الجملة مِنْ مُنطلَقِ أنَّها الغايةُ التي يسعى إليها مِنْ التَّرکيبِ، وذلک نحو قول الشاعر:

ومن عز دين الله إذ جاء مسلما   أبو حفص الفاروق نور الغياهب([47])

 هنا تقدم الحال (مسلما) على الفاعل (أبو)، ويؤکد البحث إن التقديم هنا يحدث الأثرين معا الموسيقي وإبراز المضمون الذي يقصده الشاعر.

ويلجأ الشاعر لتقديم الجار والمجرور أو الظرف على الفاعل لهدف متعمد يرتبط بمعنى ما يريده على نحو قول الشاعر:

وجاءت نحوه الأشجار طوعا       لدعوته وخرت مطمئنةْ([48])

وقول آخر:

إن يحتبس عن مقلتيّ جمالها    فمثالها عن مهجتي لم يحبسِ([49])

ففي الأول جاء تقديم (نحوه) على الفاعل (الأشجار)، وفي الثاني جاء تقديم الجار والمجرور (عن مقلتيّ) على الفاعل (جمالها)، وما يحدثه التقديم والتأخير لا يرتبط بالمعنى فحسب، وإنما حرص الشاعر على استقامة أوزانه، واستواء قوافيه.

وفي ذلک وغيره، مِمَّا مَرَّ بنا على مدار البحث وأمثاله ما يدلُّ على أنَّ للنَّحو أثرًا عظيمًا في التَّصدِّي لتحليل النصوص؛ مِنْ جهة أنَّه يُطلعنا على ما بالنَّصِّ مِنْ ظواهرَ نحويةٍ، وکيفية استثمار الشاعر لمرونة البناء النَّحوي؛ لکي يخدم جانب المعنى والوزن والقافية، في إطار المعنى النَّصِّي الذي يريده؛ ومِنْ ثَمَّ فإنَّ عدم توخي معاني النحو في النَّصِّ ليس بشيءٍ، يقول عبدالقاهر الجرجاني في کتابه دلائل الإعجاز مبرزا أثر توخي معاني النحو في الترکيب، وإذا لم تکن هناک مراعاة لتوخي معاني النحو في الترکيب فکأنک لم تصنع شيئا في ألفاظک سواء على المستوى الإبداعي أو النثري([50]).

الخاتمة

وبعد أنْ تناولنا أهم ما جاء في قصائد شعراء الأحساء في ديوان (إمام الأنبياء –صلى الله عليه وسلم- في الشعر الأحسائي خلال خمسة قرون 995- 1441هـ) من ظواهر خالفوا فيها القاعدة النحوية لاستقامة أوزان قصائدهم واستواء قوافيهم مستغلين ما أتاحه النِّظَام اللغوي مِن مرونة دفعتهم ليعبِّروا عمَّا يريدونه، فإننا نشيرُ إلى مُجمل النتائج على النَّحو الآتي:

أولا: إنَّ هؤلاء الشعراء ذو ملکات لغويةٍ، ويمکن مِن خلال شعرهم الرصين الاستدلال على قوة بيانهم وفصاحة لسانهم، فهم على وعيٍ بالخلافات النَّحْوِيّة فانطلق کل منهم في الإطار ِالنَّحْوِيّ الذي عليه الجمهور، بما يضمِن له توضيح الدلالات التي أراد الإفصاحَ عنها.

ثالثا: وظَّفَ الشعراء اللُغَةُ والنَّحو لخدمة الدلالة في شعر هذا الديوان، فسخروا اللُغَة لخدمة المعاني التي ضمنوها قصائدهم.

رابعا: اهتم الشعراء بصفةٍ عامة بالقافية وحرف الرَّوِيِّ، حيث اعتنى هؤلاء الشعراء بالقافية عنايةً فائقة؛ مُمثِّلةً في شعرهم رکنًا أساسيًّا؛ لهذا وجدناهم يفضِّلون عوارض الترکيب مِن أجل رعاية حال القافية والحفاظ على حرف الرَّوِيِّ، في إطار إظهارِ المعنى النَّصِّيِّ بالصورة التي أرادها کل منهم في قصيدته.

خامسا: جاء في شعر ديوان إمام الأنبياء –صلى الله عليه وسلم– في الشعر الأحسائي، العدول عن القاعدة النحوية، وقد استغل فيها کل شاعر ما أتاحه له النظامُ اللغويُّ؛ ليعبِّرَ عمَّا في داخله بما يرتبطُ بمضمون مقصودِ من ناحية، وبما يحقق غايةً موسيقيةً مِن ناحيةٍ أخرى، على نحو ما وجدناه في حَذْفِ الفاء من جواب الشرط، وتنوين الممنوع من الصرفِ، وقصر للمدود، والوقفِ على الاسم بالسکون، وتحريک الساکن، وکذلک الوقف على المعرَّفِ بـ "أل" بإطلاق الحرکة فيه.

سادسا: يعدُّ تأثرُ هؤلاء الشعراء بالبيئة الدينية التي نشأ فيها کل منهم ملمحًا بارزًا، ينعکس على ألفاظ قصائد هذا الديوان، فجاءت اللغة الشِّعْرية مفعمةً بالإيمان المتأثر بحبهم العميق لخاتم الأنبياء والمرسلين الذي أرسله رب العباد سبحانه "رحمة للعالمين"

هذا، ويؤکِّدُ البحثُ الحاجة الماسة لتتابع الدراسات التي تدور حول هذا الديوان؛ للکشف عن رَصْدِ أبرز ظواهره اللُّغَوِيّة والترکيبية.



([1]) بناء الجملة العربية، د. محمد حماسة عبداللطيف، دار الشروق، القاهرة، 1996م، صـ 247.

([2]) الکتاب، سيبويه "أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر"، تحقيق عبدالسلام هارون، دار الکاتب العربي، القاهرة، د.ت، 1/32.

([3]) من أسرار اللغة، د. إبراهيم أنيس، مکتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ط 3، 1966م، صـ 343.

([4]) لغة الشعر دراسة في الضرورة الشعرية. د. محمد حماسة عبداللطيف دار الشروق القاهرة 1996م، صـ 202، وما بعدها وقد عالج أسباب وجود هذه الظاهرة ونشأتها في إطار منهج النَّحْوِيّين وموقف النحاة منها.

([5]) ينظر: فصول في فقه العربية د. رمضان عبدالتواب، مکتبة الخانجي، القاهرة، مصر، الطبعة السادسة، 1420هـ-1999م، صـ 157.

([6]) ظواهر نحوية في الشعر الحر "دراسة نصية في شعر صلاح عبدالصبور"، د. حماسة عبداللطيف، دار غريب، القاهرة، مصر، 2001م، صـ 9.

([7]) الخصائص. ابن جني، تحقيق محمد علي النجار، الهيئة المصرية العامة للکتاب، القاهرة، مصر، 1988م، 2/392، 393.

([8]) فصول في فقه العربية صـ 165.

([9]) عيار الشعر لمحمد بن أحمد بن طباطبا العلوي تحقيق د. طه الحاجري، د. محمد زغلول سلام. المکتبة التجارية الکبرى. القاهرة 1996م ص 9.

([10]) کتابُ الصناعتين "الکتابة والشِّعر"، لأبي هلال العسکري، تحقيق علي محمد البجاوي، ومحمد أبو الفضل إبراهيم، الطَّبْعَةُ الأولى، دار إحياء الکتب العربية، القاهرة، مصر، 1371هـ-1952م، صـ 112.

([11]) ذم الخطأ في الشعر، لابن فارس، حققه وقدم له وعلق عليه د. رمضان عبدالتواب، مکتبة الخانجي، القاهرة، مصر، 1400هـ-1980م، صـ 17 وما بعدها.

([12]) الخصومة بين النحاة والشعراء، أسبابها وصورها، محمد غالب عبدالرحمن ورَّاق، نادي جيزان الأدبي، جيزان، السعودية، 1419ه، صـ 6.

([13]) ينظر شرح الکافية للرضي4/109-115.

([14]) الديوان 27.

([15]) الديوان 38.

([16]) الديوان 111.

([17]) الديوان صـ 22.

([18]) السَّابق صـ 42

([19]) السَّابق ص 25

([20]) السّابق ص: 41

([21]) الديوان صـ 22، 23.

([22]) ينظر: الإنصاف في مسائل الخلاف، ابن الأنباري، صـ 745 المسألة التاسعة بعد المئة، ما يحتمل الشعر من الضرورة، السيرافي، تحقيق د. عوض بن أحمد القوزي، منشورات جامعة الإمام محمد بن مسعود بالرياض، الطبعة الأولي، 1409هـ-1989م، صـ 107، وأوضح المسالک إلي شرح ألفية بن مالک لابن هشام الأنصاري، تحقيق محمد محي الدين، المکتبة العصرية، صيدا، بيروت، 1420هـ-1999، 4/295.

([23]) انظر: ضرائر الشعر لابن عصفور صـ 92، وانظر رأى الفراء فى: ما يحتمل الشعر من الضرورة صـ 109، والإنصاف 2/745، وشرح الجمل 2/558، والهمع 3/240، والضرائر للألوسى صــ 57، وموارد البصائر صـ 135، 230.

([24]) انظر: ما يحتمل الشعر من الضرورة صـ 109، المسائل النحوية والصرفية في شرح أبي العلاء المعري على ديوان ابن أبي حصينة، هاني محمد عبدالرازق القزاز، رسالة ماجستير، کلية اللغة العربية، جامعة الأزهر، المنصورة، صـ 293 - 296.

([25]) ظواهر نحوية في الشعر الحر، د. محمد حماسة صـ 71.

([26]) الديوان 23.

([27]) السَّابق 29.

([28]) الديوان 67.

([29]) الديون 23.

([30]) السَّابق 24.

([31]) السَّابق 55.

([32]) يُنظر: شرح قطر الندى وبل الصدى، ابن هشام، تحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد، المکتبة التجارية، القاهرة، الطبعة الحادية عشرة، 1963م، صــ 328، وهامش 150 صـ 328 – 329، واللهجات العربية في التراث "القسم الثاني: النظام النحوي"، د. أحمد علم الدين الجندي، الدار العربية للکتاب، طرابلس، ليبيا، 1983م، 2/483.

([33]) اللهجات العربية في التراث 2/ 483.

([34]) ظواهر نحوية في الشعر الحر، د. محمد حماسة، صـ 58.

([35]) الديوان 111.

([36]) الديوان 33.

([37]) الجملة في الشعر العربي صـ 134.

([38]) الديوان 45.

([39]) يُنظر: د. وهب رومية، التشکيل اللغوي في شعر الأمير عبدالقادر الجزائري، مجلة التراث العربي، العـدد: 99-100، السنة الخامسة والعشرون، اتحاد الکتاب العرب، دمشق، رمضان 1426ه، تشرين الأوّل، 2005م، صـ 41 – 42، وجون کوين، بناء لغة الشِّعْر، ترجمة د. أحمد درويش، مکتبة الزهراء، القاهرة، 1984م، صـ 98 – 102.

([40]) موسيقى الشعر د. إبراهيم أنيس 175.

([41]) الظواهر الترکيبية في مسرح شوقي د. أسامة عطية عثمان، دار المعرفة القاهرة 2008م، الطبعة الثانية 115.

([42]) الديوان 29.

([43]) السَّابق 42.

([44]) السَّابق 38، 37.

([45]) بناء الجملة العربية د. محمد حماسة عبداللطيف 265.

([46]) الديوان 58.

([47]) السابق 50.

([48]) السابق 26.

([49]) السابق 33.

([50]) دلائل الإعجاز عبدالقاهر الجرجاني 370.

  1. إمام الأنبياء –صلى الله عليه وسلم- في الشعر الأحسائي خلال خمسة قرون، جمع وترتيب عبدالله بن صلاح السيد الخليفة، دار الفتح للدراسات والنشر، المملکة العربية السعودية 1442ه /2021م
  2. الإنصاف في مسائل الخلاف بين النَّحْوِيّين البصريين والکوفيين، ابن الأنباري کمال الدين أبو البرکات الأنباري ت 577 هـ، تحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد، الطَّبْعَةُ الرابعة، مطبعة السعادة، القاهرة، مصر، 1961م.
  3. أوضح المسالک إلي شرح ألفية بن مالک لابن هشام الأنصاري، تحقيق محمد محي الدين، المکتبة العصرية، صيدا، بيروت، 1420هـ-1999م.
  4. بناء الجملة العربية، د. محمد حماسة عبداللطيف، دار الشروق، القاهرة، 1996م.
  5. الجملة الاسمية في بائية علقمة: دراسة نحوية دلالية، عمر محمد الأمين علي، مجلة کلية دار العلوم، جامعة الفيوم - کلية دار العلوم، ع47، مصر، ص ص 11 – 52، 2017م.
  6. جون کوين، بناء لغة الشِّعْر، ترجمة د. أحمد درويش، مکتبة الزهراء، القاهرة، 1984م.
  7. الحذف ودوره الدلالي في شعر ابن مطروح، محمد عبدالحليم عثمان، مجلة کلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة قناة السويس، کلية الآداب والعلوم الإنسانية، ع36، مصر، مارس، ص ص 11 – 45، 2021م.
  8. الخصائص. ابن جني، تحقيق محمد علي النجار، الهيئة العامة للکتاب، القاهرة 1988م.
  9. الخصومة بين النحاة والشعراء، أسبابها وصورها، محمد غالب عبدالرحمن ورَّاق، نادي جيزان الأدبي، جيزان، السعودية، 1419ه.
  10. دلائل الإعجاز، عبدالقاهر الجرجاني، تحقيق محمود محمد شاکر، مطبعة المدنـــــــــي، القاهرة، ط3، 1413هـ-1992م.
  11. ديوان "تعليق على ما حدث" لأمل دنقل: دراسة نحوية دلالية، حامد محمد عبدالعزيز أيوب، مجلة کلية الآداب، جامعة طنطا - کلية الآداب، ع27، ج3، مصر، يناير، ص ص 1274 – 1321، 2014.
  12.  ذم الخطأ في الشعر لابن فارس حققه وقدم له وعلق عليه د، رمضان عبدالتواب، مکتبة الخانجي، القاهرة 1980م
  13. شرح الرضي لکافية ابن الحاجب، محمد بن الحسن الإستراباذي السمنائي النجفي الرضي، تحقيق: حسن بن محمد بن إبراهيم الحفظي ويحيى بشير مصطفى، الطبعة الأولى، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1417هـ - 1966م.
  14. شرح جمل الزجاجي، علي بن مؤمن بن محمد بن علي ابن عصفور الإشبيلي أبو الحسن، تحقيق: فواز الشعار، الطبعة الأولى، دار الکتب العلمية، 1419هـ - 1998م.
  15. شرح قطر الندى وبل الصدى لابن هشام، تحقيق محمد محي الدين عبدالحميد، المکتبة التجارية، القاهرة، الطبعة الحادية عشرة 1963م.
  16. شرح قطر الندى وبل الصدى، ابن هشام، تحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد، المکتبة التجارية، القاهرة، الطبعة الحادية عشرة، 1963م.
  17. ضرائر الشعر لابن عصفور، ابن عصفور الإشبيلي، تحقيق: السيد إبراهيم محمد، الطبعة الأولى، دار الأندلس للطباعة والنشر، 1980.
  18. الضرائر وما يسوغ للشاعر دون الناثر، محمود شکري الألوسى البغدادي، الطبعة الأولى، العراق، مصر.
  19. الظواهر الترکيبية في مسرح شوقي دراسة نحوية د. أسامة عطية عثمان دار المعرفة القاهرة 2008م.
  20. ظواهر نحوية في الشعر الحر "دراسة نصية في شعر صلاح عبدالصبور"، د. حماسة عبداللطيف، دار غريب، القاهرة، مصر، 2001م.
  21. عوارض الترکيب في الجملة العربية : دراسة نحوية دلالية معلقة طرفة بن العبد أنموذجاً، عبدالفتاح محمد محمد الشتيوي، المجلة العلمية لکلية الآداب، جامعة أسيوط - کلية الآداب، ع63، مصر، يوليو، ص ص 134 – 190، 2017م.
  22.  عيار الشعر لمحمد بن أحمد بن طباطبا العلوي تحقيق د. طه الحاجري، ود. محمد زغلول سلام، المکتبة التجارية الکبرى، القاهرة 1996م.
  23. فصول في فقه العربية د. رمضان عبدالتواب، مکتبة الخانجي، القاهرة، مصر، الطبعة السادسة، 1420هـ-1999م.
  24. کتابُ الصناعتين "الکتابة والشِّعر"، لأبي هلال العسکري، تحقيق علي محمد البجاوي، ومحمد أبو الفضل إبراهيم، الطَّبْعَةُ الأولى، دار إحياء الکتب العربية، القاهرة، مصر، 1371هـ-1952م.
  25. الکتاب، سيبويه "أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر"، تحقيق عبدالسلام هارون، دار الکاتب العربي، القاهرة، د.ت.
  26. لُغَة الشِّعْر دراسة في الضرورة الشِّعْرية، د. محمد حماسة، دار الشروق، القاهرة، مصر، الطَّبْعَةُ الأولى، 1996م.
  27. اللهجات العربية في التراث "القسم الثاني: النظام النحوي"، د. أحمد علم الدين الجندي، الدار العربية للکتاب، طرابلس، ليبيا، 1983م.
  28. ما يحتمل الشعر من الضرورة، أبو سعيد السيرافي، تحقيق: عوض بن حمد القوزى، الطبعة: الثانية، 1412هـ، 1991م.
  29. المسائل النحوية والصرفية في شرح أبي العلاء المعري على ديوان ابن أبي حصينة، هاني محمد عبدالرازق القزاز، رسالة ماجستير، کلية اللغة العربية، جامعة الأزهر، المنصورة.
  30. مِن أسرار اللغَة، د. إبراهيم أنيس، مکتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ط 3، 1966م.
  31. موارد البصائر لفرائد الضرائر (في الضرورات الشعرية)، لمحمد سليم بن حسين بن عبد الحليم کولبازاري، البوسنوي، ابن عبد الحليم، سليم الْحَنَفِيّ، المولوي، دار عمار للنشر والتوزيع.
  32. موسيقى الشعر د. إبراهيم أنيس، القاهرة (د.ت).
  33. همع الهوامع في شرح جمع الجوامع، عبد الرحمن بن أبي بکر، جلال الدين السيوطي، تحقيق: عبد الحميد هنداوي، المکتبة التوفيقية، مصر.
  34. وهب رومية، التشکيل اللغوي في شعر الأمير عبدالقادر الجزائري، مجلة التراث العربي، العـدد: 99-100، السنة الخامسة والعشرون، اتحاد الکتاب العرب، دمشق، رمضان 1426ه، تشرين الأوّل، 2005م.